خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 27 محرم 1445هـ ، الموافق 2 أغسطس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024م بصيغة word بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024م بصيغة pdf بعنوان :الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024م بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي.
أولًا : قضيةُ الأرزاقِ قضيةٌ مهمةٌ للغايةِ !!!
ثانيًا: اتقُوا اللهَ يرزقكُمُ اللهُ.
ثالثــــًا وأخيرًا:المعاصِي تمنعُ الأرزاقَ يا سادةٌ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 أغسطس 2024م بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي : كما يلي:
الرزقُ وأسبابُهُ الخفِيَّةُ ( ٢ ) التقوَى
د. محمد حرز بتاريخ: 27 من المحرم 1446هــ– 2 أغسطس 2024م
الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ البقرة: 281، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كان مِن دعاءِ النبيِّ ﷺ: « اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا (، وكانَ يَدعُو ﷺ: ( اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفافَ والغِنَى)، فاللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوَى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102).
أيُّهَا الأخيارُ: ( الرزقُ وأسبابُهُ الخفِيَّةُ ( ٢ ) التقوَى)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
عناصرُ اللقاءِ :
أولًا : قضيةُ الأرزاقِ قضيةٌ مهمةٌ للغايةِ !!!
ثانيًا: اتقُوا اللهَ يرزقكُمُ اللهُ.
ثالثــــًا وأخيرًا:المعاصِي تمنعُ الأرزاقَ يا سادةٌ.
أيُّهَا السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن الرزقِ وأسبابِهِ الخفِيَّةِ ( ٢ ) التقوَى ، وخاصةً وقضيةُ الرزقِ مهمةٌ للغايةِ وتشغلُ بالَ جميعِ الناسِ ،وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا قلَّ فيهِ الخوفُ مِن علّامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ جلَّ جلالُهُ، وخاصةً والتقوَى هي غايةُ الغاياتِ؛ لأنَّ الغايةَ مِن خلقِ الإنسانِ هي العبادةُ، قالَ جلَّ وعلا: { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] والغايةُ مِن العبادةِ التقوَى، قالَ جلَّ وعلا: { يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 21)، وللهِ درُّ الشافعِيِّ رحمَهُ اللهُ:
تزوَّدْ مِن التقوَى فإنَّكَ لا تدرِي *** إنْ جنَّ ليلٌ هل تعيشُ إلى الفجرِ
فكمْ مِن سليمٍ ماتَ مِن غيرِ عِلَّةٍ *** وكمْ مِن سقيمٍ عاشَ حِينًا مِن الدهرِ
وكمْ مِن فتىً يمسِي ويصبحُ آمنًا *** وقد نُسِجَتْ أكفانُهُ وهو لا يدرِي
وكمْ مِن صغارٍ يرتجَى طولَ عمرِهم ***وقد أدخلتْ أجسادهُم ظلمةَ القبرِ
وكمْ مِن عروسٍ زينوهَا لزوجِهَا ***وقد قبضتْ أرواحُهم ليلةَ القدرِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
أولًا : قضيةُ الأرزاقِ قضيةٌ مهمةٌ للغايةِ !!!
أيُّهَا السادةُ: لقد قدَّرَ اللهُ المقاديرَ، وكتَبَ الآجالَ، وقسَّمَ الأرزاقَ، وكتَبَ على كلِّ واحدٍ حظَّهُ مِن السعادةِ والشقاءِ، ونصيبَهُ مِن النِّعمِ والسراءِ، والبأساءِ والضراءِ، فمَن رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَن سخطَ فلَهُ السخطُ، وكلُّ شيءٍ بقدرٍ، وكيفَ لا؟ واللهُ جلَّ وعلا قد تكفَّلَ بالأرزاقِ كلِّهَا للبَرِّ والفاجرِ، والمؤمنِ والكافرِ، نعمةٌ ورحمةٌ يتفضلُ بهَا اللهُ على الخلقِ أجمعين، قالَ جلَّ وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 – 58]، وقالَ جلَّ وعلا: )وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هُودٍ( 6، فيرزقُ الجنينَ في بطنِ أُمّهِ، والحيتانَ في البحرِ، والحياتِ في الوكرِ، وما خلَقَ اللهُ خَلْقًا فضيَّعَهُم سبحانَهُ جلَّ جلالُهُ وتقدستْ أسماؤُهُ، وكيفَ لا؟ وقضيةُ الرزقِ أيُّهَا الأخيارُ قضيةُ مهمةٌ للغايةِ محسوبةٌ ومحسومةٌ ومكتوبةٌ، لكنْ خُلِقَ الانسانُ مِن عجلٍ، وللهِ درُّ القائلِ:
لا تعجِلنَّ فليس الرزقُ بالعجَلِ ****الرزقُ في اللوحِ مكتوبٌ مع الأجلِ
فلو صبرنَا لكانَ الرزقُ يطلبُنَا ****لكنّهُ خُلِقَ الإنسانُ مِن عَجَلِ
وكيفَ لا؟ وقضيةُ الرزقِ ليسَت مالًا فحسب كما يعتقدُ الكثيرُ مِن الناسِ، فالصحةُ والعافيةُ رزقٌ قد يُرزَقهَا الفقيرُ ويُحرَمهَا الغنيُّ، والسترُ رزقٌ، ومحبةُ الناسِ رزقٌ، والزوجةُ الصالحةُ رزقٌ، والأبناءُ البررةُ رزقٌ، والجارُ الصالحُ رزقٌ، والتوفيقُ مِن اللهِ رزقٌ، والعلمُ والعقلُ رزقٌ، وأفضلُ الأرزاقِ على الإطلاقِ هو رزقُ الإيمانِ والاستقامةِ والعلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ، والبركةُ في الحياةِ كلِّهَا رزقٌ، وأعظمُ رزقٍ يرزقُهُ اللهُ عبادَهُ، وأحسنُهُ وأكملُهُ، وأفضلُهُ وأكرمُهُ، وأعلاهُ وأدومُهُ، الذي لا ينقطعُ ولا يزولُ، هو الجنةُ، وذلك الرزقُ خاصٌّ بالمؤمنينَ كمَا قالَ سبحانَهُ: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} (الطلاق: 11)، ومِن الأرزاقِ أنْ يرزقَ اللهُ العبدَ القناعةَ، فيقنعَ العبدُ في نفسِهِ ويرضَى بما أعطاهُ اللهُ مِن مالٍ وولدٍ، وهذا ما مدحَ بهِ النبيُّ ﷺ العبدَ الموفقَ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص -رضي اللهُ عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “قد أفلحَ مَن أسلمَ، ورُزِقَ كَفَافًا، وقنَّعَهُ اللهُ بمَا آتاهُ” (مسلم )، ومِن جميلِ الرزقِ أنْ يُغنيَ اللهُ عبدَهُ بحلالِهِ عن حرامِهِ، وبفضلِهِ عمَّن سواهُ، وهذا ما علّمَهُ النبيُّ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- أمتَهُ ((اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ” (الترمذي )، فكمْ مِن صاحبِ مالٍ وفيرٍ، وخيرٍ عظيمٍ، رُزِقَ القناعةَ! فلا غشَّ في تجارتِهِ، ولا منعَ أجَراءَهُ حقوقَهُم، ولا أذلَّ نفسَهُ مِن أجلِ مالٍ أو جاهٍ، ولا منعَ زكاةَ مالهِ، بل أدَّى حقَّ اللهِ فيهِ فرضًا وندبًا، مع محافظةٍ على الفرائضِ، واجتنابٍ للمحرماتِ، إنْ ربحَ شكرَ وإنْ خسرَ رضيَ، فهذا قنوعٌ وإنْ ملكَ مالَ قارون.
وكمْ مِن مستورٍ يجدُ كفافًا، ملأَ الطمعُ قلبَهُ حتى لم يرضِه ما قُسِمَ لهُ! فجزعَ مِن رزقِهِ، وغضبَ على رازقِهِ، وبثَّ شكواهُ للناسِ، وارتكبَ كلَّ طريقٍ مُحرمٍ حتى يغنِي نفسَهُ، فهذا منزوعُ القناعةِ وإنْ كان لا يملكٌ درهمًا ولا فلسًا، وللهِ درُّ القائلِ:
هي القناعةُ فالزَمْها تعِشْ ملكاً*******لو لم يكنْ منكَ إلاّ راحةُ البدنِ
وانظُرْ إلى مالكِ الدنيا بأجْمعِها********هل راحَ منها بغيرِ القُطْنِ والكفنِ
ومرَّ إبراهيمُ بنُ أدهمَ على رجلٍ ينطقُ وجهُهُ بالهمِّ والحزنِ، فقالَ لهُ إبراهيمُ: يا هذا إنِّي أسالُكَ عن ثلاثةٍ فاجبنِي: فقالَ لهُ الرجلُ نعمْ، فقالَ لهُ إبراهيمُ: أيجرِي في هذا الكونِ شيءٌ لا يريدُهُ اللهُ ؟ فقال: لا، قال: أينقصُ مِن أجلِكَ لحظةٌ كتبَهَا اللهُ لكَ في الحياةِ ؟، قال: لا، قال: أينقصُ مِن رزقِكَ شيءٌ قدرَهُ اللهُ، قال: لا، قال إبراهيمُ: فعلامَ الهمُّ إذن ؟؟؟ .
دعْ المقاديرَ تجرِي في أعنّتِهَا *** ولا تبيتنّ إلّا خاليَ البالِ
ما بينَ غَمضةِ عَينٍ وانتباهتِهَا *** يغيرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ
قِيلَ للحسنِ البصرِي: ما سرُّ زهدِكَ في الدنيا؟ فقال: علمتُ بأنَّ رزقِي لن يأخذَهُ غيرِي فأطمأنَّ قلبِي لهُ. وعلمتُ بأنَّ عملِي لا يقومُ بهِ غيرِي فاشتغلتُ بهِ. وعلمتُ أنَّ اللهَ مطلعٌ عليَّ فاستحييتُ أنْ أقابلَهُ على معصيةٍ. وعلمتُ أنَّ الموتَ ينتظرنِي فأعددتُ الزادَ للقاءِ اللهِ). فيا هذا الدنيا زائلةٌ الدنيا فانيةٌ، وإنَّ الدارَ الآخرةَ لهي الحيوانُ، ولا عيشَ إلّا عيشَ الآخرةِ، الدنيا متاعُ الغرورِ، سريعةُ العبورِ، كثيرةُ التغيرِ، لا تثبتُ على حالٍ، أشدُّ تقلبًا مِن الأيامِ والليالِي، إذا حَلَتْ أَوْحَلَتْ، وإن جَلَتْ أَوْجَلَتْ، وكم أضحكتْ فأبكتْ، وسرَّتْ فأوجعتْ، وأقبلتْ فأدبرتْ، إنّمَا هي أحزانٌ وأفراحٌ، وسرورٌ وأتراحٌ، سعادةٌ وحبورٌ، وهمومٌ وغمومٌ، لهوٌ ولعبٌ، زينةٌ وتفاخُرٌ وتكاثُرٌ، يقولُ جلَّ وعلا: ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الْحَدِيدِ: 20)، فارضَ بمَا قسمَ اللهُ لكَ تكنْ أغنَي الناس، ولا تنشغلْ بالدنيا وشهواتِهَا ولذتِهَا فإنّهَا فانيةٌ …..وللهِ درُّ القائلِ:
يا مَن بدنياهُ أشتغلْ * * * قد غرّهُ طولُ الأملِ
الموتُ يأتِي بغتةً* * * والقبرُ صندوقُ العملِ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
ثانيًا: اتقُوا اللهَ يرزقكُمُ اللهُ.
أيُّها السادةُ: كونُوا على يقينٍ أنَّ تَقْوَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَامْتِثَالَ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ، والإيمانَ بهِ سببٌ عظيمٌ مِن أسبابِ الرزقِ، قالَ جلَّ وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}. [الطلاق: 3، 2]، وقالَ جلَّ وعلا: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون) [الأعراف: 96].
والتقوَى هي الغايةُ المنشودةُ والدرةُ المفقودةْ، جمعتْ في طياتِهَا خيراتِ الدنيا والآخرةِ، وأهلُ التقوَى هُم ملوكُ الدنيا والآخرةِ، وأهلُ السعادةِ الحقيقيةِ والشرفِ العظيمِ، فتقوَى العبدِ لربِّهَ أنْ يجعلَ بينَهُ وبينَ اللهِ وقايةً تقِيهِ مِن غضبِهِ وسخطِهِ وعقابِهِ ونارِهِ، ولا يكونُ هذا إلَّا بفعلِ الطاعاتِ وتركِ المنكراتِ، والتقوَى أنْ تعملَ بطاعةِ اللَّهِ على نورٍ مِن اللَّهِ ترجُو ثوابَ اللَّهِ، وأنْ تتركَ معصيةَ اللَّهِ على نورٍ مِن اللهِ تخافُ عقابَ اللهِ، والتقوَى أنْ يُطاعَ اللهُ فلا يُعصَى، ويذكرَ فلا يُنسَى، وأنْ يُشكَرَ فلا يُكفَر.
وسألَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ التَّقْوَى، فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَلَكْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّقْوَى. وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَقَالَ:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا. . . وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى.
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ. . . ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً. . . إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
والتقوَى وصيةُ اللهِ للأولينَ والآخرينَ، ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ النساء: 131. والتقوَى وصيةُ النبيِّ ﷺ لكلِّ مسلمٍ، عن أبِي ذرٍّ قال: قال لي رسول الله ﷺ: (اتِّق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخُلُق حسنٍ) حديث حسن، رواه أحمد والترمذي، وكيف لا؟ والتقوى خيرُ زادٍ، ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، عن ابنِ عباسٍ قال: كان أهلُ اليمنِ يحجُّون فلا يتزوَّدَون، ويقولونَ: نحنُ المتوكِّلُون، فإذا قدمّوا مكةَ سألُوا الناسَ، فأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]؛ رواه البخاري.وكيف لا؟ والتقوى خيرُ لباسٍ { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26. وللهِ درُّ القائلِ:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا مِن التُّقَى***تقلبَ عريانًا وإنْ كان كاسيًا
وخيرُ لباسِ المرءِ طاعةُ ربِّهِ ***ولا خيرَ فيمَن كانَ للهِ عاصيًا
وكيفَ لا ؟ والتقوَى خيرُ ميراثٍ ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63.وكيف لا؟ والتقوَى خيرُ تركةٍ لأولادِكَ ولمَن بعدَكَ ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ النساء: 9.جعلنا اللهُ وإيَّاكُم مِن المتقين، وكيف لا ؟ وأصحابُ القلوبِ التقيةِ هم أفضلُ الناسِ بشهادةِ سيِّدِ الناسِ ﷺ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي اللهُ عنهما-، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ )، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: ( هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ)، وكيف لا؟ التقوَى سببٌ لمعيةِ اللهِ، قالَ ربُّنَا: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194(، قال قتادةُ: ” مَن يتقِ اللهَ يكنْ اللهُ معَهُ ، ومَن يكنْ اللهُ معَهُ فمعَهُ الفئةُ التي لا تُغلبُ، والحارسُ الذي لا ينامُ، والهادِي الذي لا يضلُّ ” .بل التقوَى سببٌ مِن أسبابِ الحصولِ على العلمِ، قالَ جلَّ وعلا: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) ،يقولُ ابنُ مسعودٍ إنِّي لأحسبُ أنَّ الرجلَ ينسَى العلمَ يعلمُهُ بالذنبِ يعملُهُ .بل التقوى سببٌ لمحبةِ اللهِ جلَّ وعلا انتبهْ قالَ ربُّنَا: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )، [سورة التوبة: 7. واللهِ إنَّ الحلقَ ليجفَّ، وإنَّ القلبَ لينخلعَ، وإنَّ العقـلَ ليشطَّ، وإنّ الكلماتِ لتتوارَى في خجلٍ وحياءٍ أمامَ هذه الثمرةِ ألَا وهي محبةُ الملكِ الوهابِ، فهذا أمرٌ تقفُ عندَهُ ألسنةُ البلغاءِ مِن الناسِ .بل التقوى سببٌ مِن أسبابِ تيسيرِ الأمورِ وتفريجِ الكروبِ والحصولِ على الرزقِ، قال تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب } [الطلاق: 2، 3 ، وقالَ جلَّ وعلا: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا }، بل التقوى سببٌ لتقبلِ الأعمالِ، قالَ ربُّنَا: ” إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ “.
وكيف لا ؟ والتَّقْوَى هِيَ النَّسَبُ الرَّبَّانِيُّ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى مَيْدَانًا للتَّفَاضُلِ بَيْنَ العِبَادِ، وهو المعيارُ الحقيقيُّ للتفاضلِ بينَ الناسِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾. رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا». وكيف لا ؟وسُئِلَ إبراهيمُ بنُ أدهم عن التقوَى فقال: التقوى (أنْ لا يجد الخلقُ في لسانِكَ عيبًا، ولا الملائكةُ في أفعالِكَ عيبًا، ولا ملكُ العرشِ في سرِّكَ عيبًا )، والتقوَى كما قال عليٌّ بنُ أبِي طالبٍ رضي اللهُ عنه وأرضَاهُ: هي الخوفُ مِن الجليلِ، والعملُ بالتنزيلِ، والرضَا بالقليلِ، والاستعدادُ ليومِ الرحيلِ. لذا لمَّا ذهبَ الأمامُ عليٌّ رضي اللهُ عنه ليزورَ القبورَ ليزورَ الذينَ ينامونَ تحتَ الترابِ وبعدمَا سلَّمَ على أهلِهَا نادَي على الأمواتِ قائلًا لهُم إنَّ أموالَكُم قد قُسِّمَتْ على ورثتِكُم، وإنَّ ديارَكُم قد سكنَهَا غيرُكُم، وإنَّ نسائَكُم قد تزوجنَ بعدَكُم هذا خبرُ ما عندنَا فما خبرُ ما عندَكُم ؟ ثم قال لو شاءَ اللهُ لهؤلاءِ أنْ يتكلمُوا لقالُوا إنَّ خيرَ الزادِ التقوى.
النفسُ تبكِي على الدنيا وقد علمتْ ** أنَّ السعادةَ فيها تركُ ما فيهــــــا
لا دارَ للمرءِ بعدَ الموتِ يسكُنُـــهَـا**إلّا التي كانَ قبلَ الموتِ بانيـــــهَا
فإنْ بناها بخيرٍ طابَ مسكنُــــــــهُ ** وإنْ بناهَا بشرٍّ خابَ بانيـــــــــهَا
أموالُنَا لذوِي الميراثِ نجمعُهَــــــا** ودورُنَا لخرابِ الدهرِ نبنيهَـــــــا
أينَ الملـــــوكُ التي كانت متسلطنةً***حتى سقاها بكأسِ الموتِ ساقيـها
كم مِن مدائنَ في الآفاقِ قـــدِ بُنـــــيتْ***أمستْ خرابًا وأفنى الموتُ أهليهَا
لا تركنَنَّ إلى الدنيا وما فيهــــــــا ***فالموتُ لا شكَّ يُفنينَا ويُفنيـــــــهَا
لكلِّ نفسٍ وإنْ كانتْ على وجــــــلٍ***مِن المَنِيَّةِ آمـــالٌ تقويهَـــــــــــــا
المرءُ يبسطُهَا والدهرُ يقبضُهَـــــا ***والنفسُ تنشرُهَا والموتُ يطويهَـا
فاعملْ لدارِ غدٍ رضوانُ خازنُهَا ***والجــارُ أحمد والرحمنُ ناشيهَــــا
قصورُهَا ذهبٌ والمسكُ طينتُهَــــا***والزعفـرانُ حشيشٌ نابتٌ فيهـــــا
أنهارُهَا لبنٌ محضٌ ومِن عســـلٍ ***والخمرُ يجرِي رحيقًا في مجارِيهَا
والطيرُ تجرِي على الأغصانِ عاكفةً***تسبـحُ اللهَ جهرًا في مغانيهَـــــا
مَن يشترِي الدارَ في الفردوسِ يعمرُهَا***بركعةٍ في ظلامِ الليلِ يُحيهَا
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكم
الخطبةُ الثانيةُ… الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ……… وبعدُ
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الرزق وأسبابه الخفية (2) .. التقوي
ثالثــــًا وأخيرًا: المعاصِي تمنعُ الأرزاقَ يا سادةٌ.
أيُّها السادةُ: اعلمْوا أنَّ ما عندَ اللهِ لا يُنَالُ إلَّا بطاعتِهِ، فإيَّاكَ أنْ تطلبَ الرزقَ بمعصيةِ اللهِ، إيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ إنْ تأخرَ الرزقُ عنكَ أنْ تطبلَهُ بالحرامِ وبمَا يغضبُ اللهَ فتهلكَ فتخسرَ فتندمَ فتكونَ مِن الخاسرين، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)، فالذنوبُ والمعاصِي مِن أعظمِ أسبابِ منعِ الرزقِ ومحقِ بركتِهِ، وما أهلَكَ اللهُ مَن قبلَنَا مِن الأممِ إلَّا بسببِ المعاصِي، فالظلمُ والربَا وأكلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ سببٌ في حرمانِ بنِي إسرائيلَ مِن كثيرٍ مِن الأرزاقِ والخيراتِ، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾النساء: 160، 161، فالطاعاتُ سببٌ لنزولِ النعمِ، وحصولِ البركاتِ، والمعاصِي والذنوبُ تزيلُ النعمَ وتحلُّ النقم، قالَ اللهُ تعالَى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وصدقَ النبيُّ ﷺ إذْ يقولُ كمَا في حديثِ ثوبانَ: (إنَّ العَبدَ ليُحرَمُ الرِّزقَ بالذَّنبِ يُصيبُه)، قالَ جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، قالَ ابنُ عباسٍ: “، يُقالُ لآكلِ الربَا يومَ القيامةِ: خُذْ سلاحَكَ فبارزْ ربَّ العالمين، يُقَالُ لهُ هذا تبكيتًا لأنَّهُ حاربَهُ في الدنيا بالربَا”. يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: ” إِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَبْرِ، وَوَهْنًا فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ”، وَأَصْدَقُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَقِّ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ النَّحْلِ: 112
فمَن استعجلَ الرزقَ بالحرامِ مُنِعَ الحلالَ، وللهِ درُّ الشافعِي:
جمعَ الحرامَ على الحلالِ ليكثرَهُ .. دخلَ الحرامُ على الحلالِ فبعثرَهُ
اتَّقُوا اللَّهَ وَعَظِّمُوهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَخَافُوهُ جَلَّ وَعَلَا، وَرَاقِبُوهُ فِي خَلَوَاتِكُمْ وَتَفَكَّرُوا فِي وُقُوفِكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَامْتَثِلُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33. وَاحْذَرُوا مِنَ الْمَعَاصِي صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا فَإِنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ بَرَكَةً فِي عُمْرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَمَا مُحِيَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، فَاجْتَنِبُوا مَوَاطِنَ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَاحْذَرُوا مِنْ مُنْتَدَيَاتٍ أَصْحَابُهَا مِنَ الْمُرَوِّجِينَ لِلْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ سُبْحَانَهُ وَاسْتَغْفِرُوهُ مِمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي سَالِفِ الْأَيَّامِ؛ فَالسَّعِيدُ مَنْ تَنَبَّهَ وَتَابَ، وَالشَّقِيُّ مَنْ غَفَلَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 123-126
فاتقِ اللهَ وراقبْ اللهَ في السرِّ والعلانيةِ، واعلمْ أنَّ اللهَ مطلعٌ عليكَ في كلِّ وقتٍ وحينٍ ،يرزقك من حيث لا تحتسب ،ولِنَكُنْ حَرِيصِينَ عَلَى نَجَاتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَا نَجَاةَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِالأَحْسَابِ وَالأَنْسَابِ بِدُونِ عَمَلٍ، إنما النجاة بالتقوى والعمل الصالح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:.«وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فيَا مَن كلمَا طالَ عمرُهُ، زادَ ذنبُهُ، يا مَن كلمَا أبيضَّ شعرُهُ، أسودَّ بالآثامِ قلبُهُ .
شيخٌ كبيرٌ له ذنوبٌ …. تعجزُ عن حملهَا الجبالُ
قد بيضتْ شعرَهُ الليالي ….. وسودتْ قلبَهُ الخطايا
حفظَ اللهُ مصرَ مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف